الصحة

هشاشة العظام: فهم المرض، الوقاية، والعلاج

هشاشة العظام، أو ما يُعرف علميًا بـ”الاستئصال”، هو مرضٌ مزمنٌ يصيب العظام، ويجعلها هشةً وضعيفةً للغاية، مُعرّضةً للكسور بسهولة. تُعدّ هشاشة العظام مشكلةً صحيةً عالميةً مُنتشرةً بشكلٍ واسع، خاصةً بين النساء بعد سن اليأس، لكنها تُصيب الرجال أيضاً، وإن بنسبةٍ أقل. تتزايد أهمية فهم هذا المرض، وأساليبه الوقائية، وخيارات علاجه المتعددة، لتقليل عبء الإصابة به والتخفيف من عواقبه الوخيمة. سنتناول بالتفصيل أبعاد هشاشة العظام المختلفة، من تعريفها وأسبابها إلى أعراضها وطرق تشخيصها، بالإضافة إلى استعراض أحدث الخيارات العلاجية والوقائية المُتاحة.

تعريف هشاشة العظام وأسبابها

هي حالةٌ طبيةٌ تتميز بانخفاض كثافة المعادن في العظام، وبالتالي انخفاض قوتها وصلابتها. يؤدي هذا إلى زيادة خطر الإصابة بالكسور، حتى مع التعرض لإصابات طفيفة. تُقاس كثافة المعادن في العظام (BMD) بواسطة قياس امتصاص الأشعة السينية ثنائية الطاقة (DEXA)، وهو الفحص المُعتمد لتشخيص هشاشة العظام. يُعتبر انخفاض قيمة BMD عن المتوسط الطبيعي مؤشراً على وجود هشاشة العظام. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن قياس BMD وحده لا يكفي لتشخيص الحالة، حيث يجب مراعاة عوامل أخرى مثل وجود كسور سابقة، وعوامل الخطر الأخرى.

تُعزى أسباب هشاشة العظام إلى مجموعة من العوامل، يمكن تقسيمها إلى عوامل رئيسية وعوامل مساعدة:

أولاً: العوامل الرئيسية:

  • الوراثة: تُلعب الجينات دوراً هاماً في تحديد كثافة العظام ومُعدّل فقدانها مع التقدم في العمر. فوجود تاريخ عائلي للإصابة بهشاشة العظام يُزيد من خطر الإصابة بها.
  • هرمونات الجسم: يلعب هرمون الاستروجين دوراً حاسماً في الحفاظ على كثافة العظام، خاصةً لدى النساء. انخفاض مُستويات هرمون الاستروجين بعد سن اليأس يُعتبر من أهم أسباب الإصابة لدى النساء. كما أن انخفاض هرمون التستوستيرون لدى الرجال يُساهم في زيادة خطر الإصابة.
  • التقدم في العمر: مع التقدم في العمر، تقلّ قدرة الجسم على بناء العظام، وتزداد مُعدلات فقدان العظام، ما يُؤدي إلى زيادة خطر الإصابة.

ثانياً: العوامل المساعدة:

  • سوء التغذية: نقص الكالسيوم وفيتامين د يُؤثر سلباً على صحة العظام، ويُزيد من خطر الإصابة.
  • قلة النشاط البدني: النشاط البدني المنتظم، خاصةً تمارين تحمل الوزن، يُساعد على بناء العظام والحفاظ على كثافتها. قلة الحركة تُزيد من خطر الإصابة .
  • التدخين: يُؤثر التدخين سلباً على امتصاص الكالسيوم، ويُقلل من إنتاج الخلايا المُكونة للعظام، مما يُزيد من خطر الإصابة.
  • استخدام بعض الأدوية: بعض الأدوية، مثل الكورتيكوستيرويدات، تزيد من خطر الإصابة.
  • أمراض مُعينة: بعض الأمراض، مثل أمراض الغدد الصماء وبعض أنواع السرطان، تزيد من خطر الإصابة.
  • الوزن المنخفض: الوزن المنخفض يُرتبط بزيادة خطر الإصابة.
  • قصور الغدة الدرقية: يُؤدي قصور الغدة الدرقية إلى انخفاض مُعدّل بناء العظام وزيادة مُعدّل فقدانها.
  • السقوط: الوقوعات المتكررة تُزيد من خطر الإصابة بالكسور لدى الأشخاص المُصابين.

أعراض هشاشة العظام وتشخيصها

في المراحل المبكرة، لا تُظهر هشاشة العظام أعراضاً واضحة، وغالباً ما يتم اكتشافها صدفةً عند إجراء فحص طبي لسبب آخر. ولكن، مع تطور المرض، قد تظهر بعض الأعراض، مثل:

  • آلام الظهر: قد يعاني المصابون من آلام في الظهر، خاصةً في العمود الفقري، نتيجةً لانهيار الفقرات.
  • انخفاض الطول: مع فقدان كتلة العظام، قد يحدث انخفاض في الطول تدريجياً.
  • انحناء العمود الفقري: قد يُلاحظ انحناء في العمود الفقري، خاصةً في المنطقة الصدرية.
  • سهولة الإصابة بالكسور: يُعتبر الكسور أهم مؤشر على الإصابة ، حتى مع التعرض إصابات طفيفة.

يعتمد تشخيص هشاشة العظام على عدة عوامل:

  • التاريخ المرضي: جمع التاريخ المرضي للمريض، بما في ذلك تاريخ الإصابة بالكسور، ووجود عوامل خطر أخرى.
  • الفحص البدني: يقوم الطبيب بفحص المريض سريرياً، للتحقق من وجود أي علامات تدل على هشاشة العظام، مثل انخفاض الطول أو انحناء العمود الفقري.
  • قياس كثافة المعادن في العظام (DEXA): يُعدّ قياس DEXA هو الفحص الأساسي لتشخيص هشاشة العظام، وهو يُستخدم لتحديد كثافة العظام وقياس مدى فقدانها.
  • فحوصات الدم: قد تُطلب بعض فحوصات الدم لتحديد مُستويات الكالسيوم وفيتامين د، وغيرها من الهرمونات المهمة لصحة العظام.

علاج هشاشة العظام

يهدف علاج هشاشة العظام إلى منع حدوث المزيد من فقدان العظام، وتقليل خطر الإصابة بالكسور، وإدارة الألم. يعتمد العلاج على عدة عوامل، بما في ذلك شدة المرض، وعمر المريض، وحالته الصحية العامة.

أولاً: العلاج الدوائي:

  • مثبطات إعادة امتصاص العظم (Bisphosphonates): هذه الأدوية تعمل على تقليل مُعدّل إعادة امتصاص العظام، مما يُساعد على زيادة كثافة العظام.
  • الرانيلات: هذه الأدوية تُحفز بناء العظام وتُقلل من إعادة امتصاصها.
  • أدوية مُعدّلة هرمون الباراثرويد (Parathyroid Hormone): تُساعد هذه الأدوية على تحفيز بناء العظام.
  • دينوسوماب (Denosumab): هو جسم مضاد يُقلل من إعادة امتصاص العظام.
  • أب كالسي تونين (Calcitonin): هو هرمون يُقلل من إعادة امتصاص العظام.
  • المُكمّلات الغذائية: يُنصح بتناول مُكمّلات الكالسيوم وفيتامين د، خاصةً لدى الأشخاص الذين لا يحصلون على الكميات الكافية منها من غذائهم.

ثانياً: العلاج غير الدوائي:

  • التغذية السليمة: يُعدّ اتباع نظام غذائي صحي غني بالكالسيوم وفيتامين د أمراً أساسياً للحفاظ على صحة العظام.
  • النشاط البدني: النشاط البدني المنتظم، خاصةً تمارين تحمل الوزن، يُساعد على بناء العظام والحفاظ على كثافتها.
  • تجنب التدخين: يُنصح بالإقلاع عن التدخين لتقليل خطر الإصابة.
  • الوقاية من السقوط: يُساعد اتخاذ احتياطات للوقاية من السقوط، مثل تحسين الإضاءة في المنزل وإزالة العوائق، على تقليل خطر الإصابة بالكسور.
  • العلاج الطبيعي: يُساعد العلاج الطبيعي على تقوية العضلات وتحسين التوازن، مما يُقلل من خطر السقوط.

الوقاية من هشاشة العظام

الوقاية من هشاشة العظام أفضل من علاجها، ويتم ذلك باتباع بعض الإجراءات الوقائية، مثل:

  • اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن: يجب الحرص على تناول نظام غذائي غني بالكالسيوم وفيتامين د، والأطعمة الغنية بالبروتين.
  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: يجب ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وخاصةً تمارين تحمل الوزن، مثل المشي والجري والرقص.
  • الحفاظ على وزن صحي: يجب الحفاظ على وزن صحي لتقليل الضغط على العظام.
  • تجنب التدخين: يجب تجنب التدخين لأنه يُؤثر سلباً على صحة العظام.
  • الحد من استهلاك الكحول: يجب الحد من استهلاك الكحول لأنه يُؤثر سلباً على امتصاص الكالسيوم.
  • الفحص الدوري: يجب إجراء فحص دوري لقياس كثافة العظام، خاصةً بعد سن اليأس.
  • الحصول على كفاية ضوء الشمس: يساعد التعرض لضوء الشمس على إنتاج فيتامين د في الجسم.
  • إدارة الأمراض المُزمنة: يجب إدارة الأمراض المُزمنة مثل السكري وضغط الدم للتقليل من خطر الاصابة.

هشاشة العظام مرضٌ مزمنٌ خطير، يُمكن أن يُؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل الكسور والإعاقة. ولكن بفضل التقدم في المجال الطبي، تُوجد خيارات علاجية ووقائية فعّالة لتقليل مخاطر الإصابة به وإدارته بشكل فعال. يجب على الجميع اتباع أسلوب حياة صحي، بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، للحفاظ على صحة العظام ووقاية أنفسهم من هشاشة العظام. كما يُنصح باستشارة الطبيب للحصول على التشخيص والعلاج المناسبين، وخاصةً فئات الخطر مثل النساء بعد سن اليأس والأشخاص ذوي التاريخ العائلي لهشاشة العظام. والتوعية بمخاطر هشاشة العظام وأساليب الوقاية منها تُعتبر خطوة أساسية في مواجهة هذا الانتشار المُتسارع للمرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى